الخميس، 11 أبريل 2013

النبوءة



نيران مزلزلة للأرض من مركزها

سوف تسبب هزات حول روحك الجديدة

ستتقاتل صخرتان عظيمتان لوقت طويل

ثم ستضفي الدماء لونًا أحمر جديدًا

حُفرت كلمات ذلك الصيدلي من بلدة سان ريمي دي بروفانس في جنوب فرنسا في ذهني. كان هذا أثناء زيارتي للخال رينيه في أول عام 1533.

مرض الخال، وكان هذا الصيدلي يسكن في الجوار وتم استدعائه للأخذ بمشورته في حالة خالي الصحية … داوى مرضه بالعقاقير وقال لي بكلمات لن أنساها: «سيتحسن، لكن عاجلًا أم آجلًا سيموت مع نهاية العام.»

لعله مجنون، قلت في سري.

لا أدري لماذا أحسست لوهلة أنه سمع صوت أفكاري، نظر لي وتبسم وقال تلك الكلمات:

Enno∫igee feu du centre de terre

Fera trembler autour cité neufue

Deux grands rochiers longtemps feront la guerre

Puis Arethu∫e rougira nouueau fleuve

وأخرج ورقة من معطفه واستخدم ريشة وقرطاسًا من على المنضدة وكتب بها «النبوءة تسعين».

استغربته وسألته مسرعًا: «إذًا أنت متنبئ ولست بطبيب؟ ألا تخشى أن أفشي سرك للكنيسة؟! قد يشنقك القساوسة!»

تبسم وقال لي في برود: «لن تفعل.»

ومضى بخطوات ثابتة نحو الباب.

مضى عام أو أقل على هذا اللقاء لكني أشغل فكري الآن به أكثر من ذي قبل، فقد وردني خطاب من بلدتنا في جنوب فرنسا يعلموني فيه بموت الخال، كيف أصاب هذا المخبول في نبوءته؟ وما هي النبوءة التسعين؟ ولماذا لم يقلها لي مباشرة دون تلك الألغاز؟

*****

لم أنتبه إلى أي فصول السنة صرنا.

لم أعد أتذكر الشخص الذي كنت إياه فيما مضى.

لم أعد أتذكر الدكاكين أو الشوارع … صرت أهتدي لطريقي إلى بيت الخال رينيه عن طريق وجوه من الناس.

فقد مر عامان وأنا أجوب طرقات وحقول تلك البلدة الصغيرة باحثًا عن ذلك الصيدلي في وجوههم.

ربما لو لم أشغل ذهني بتلك النبوءة لأحببت فتاة تتعطر بالفانيليا، وتضع خلخالًا يصدر إيقاعًا يطرب له قلبي كلما سارت بجواري.

ربما كانت سمراء تتدلى خصلات شعرها على كتفها المكشوف … لكني صرت مهووسًا بتلك النبوءة أكثر وأكثر، فمع مضي الوقت ذاع صيت الصيدلي وصار منجمًا للبلاط الملكي يقصده الملوك والأمراء.

لكن لا يوجد من يعرف طريقه، يظهر ويختفي … البعض يقولون أنه يكتب خلاصة رؤيته للمستقبل في كتاب واسع الحيل.

*****

عندما فقدت الأمل في العثور على ذلك الصيدلي عدت إلى بلدتي نوتردام.

كم اشتقت لنسيم هوائها وصوت أجراس الكاتدرائية … كاتدرائية نوتردام الساحرة، بتلك التماثيل المرعبة.

لطالما لفتت أنظاري تلك التماثيل التي تزين جدران الكاتدرائية … أتساءل بصوت مسموع لعلي أجد من يجيبني.

«لماذا يزينون دور العبادة بتلك الأشكال المخيفة لتلك المخلوقات المنفرة؟»

أجد كاهنًا من الكهنة يتقدم نحوي سادلًا على وجهه غطاء يخفي نصف وجهه والنصف الآخر يخفيه الظلال.

وبصوت ليس بغريب يقول لي: «هذا المخلوق يدعى “الجرغول”.

  • هناك أسطورة في بلدة روان تقول أن الجرغول، ذلك الوحش ذو الأجنحة الطويلة، يتغذى على دماء الماشية.

    لكننا هنا نؤمن بقدرته على طرد الأرواح الشريرة.

    نضعه على أبوابنا مرصادًا للشر والشياطين.»

    يصمت الكاهن فجأة لعله أيقن أنني غير مهتم بحديثه، ثم يستدرك كلامه قائلًا: «ألم تصبك نيران التجديد بعد؟ ألم تجدد تلك النيران روحك؟!»

    أحسست بأن تماثيل الجرغول انتفضت من ثبوتها وسارت تحوم من حولنا … خلت الكاتدرائية من الناس، فقط أنا وهو والهواء البارد يكاد يجمد أطرافي.

    متلكلكًا سألته: «أأنت الصيدلي؟»

    تداركت غبائي مسرعًا وقلت له: «ومن غيرك؟ أنت هو بالطبع!»

    استجمعت قوتي وقلت له: «لقد أفسدت علي ثلاثة أعوام من عمري!»

    دوي الأجراس يصم أذناي … يهم الكاهن بالرحيل، أصرخ به: «لا تذهب لا!»، لكن الأجراس تحول بين صوتي وأذنه.

    *****

    في طريقي للعودة إلى المنزل أقرر ألا أسعى وراء تلك النبوءة ويكفيني ما أهدرته من عمر في محاولة كشف سرها.

    أصل إلى البيت لأجده قد حُرق عن بكرة أبيه، حالة من اليأس تنتابني لأيام، فقد كنت أحب هذا البيت برائحة النبيذ المعتق النافذة منه … سأشتاق إليه.

    *****

    مرت الأعوام على الحريق وكنت من بعده قد كرست حياتي كخادم في الكاتدرائية.

    وقد تغيرت الحياة في هذا الزمن الكثير عما مضى.

    عمت الفوضى والفساد وكثر المنجمين والمشعوذين واتخذت الكاتدرائية أساليبًا عنيفة للحد من هؤلاء.

    كنا نقيم لهم المشانق والمقاصل بجوار نهر السين بالقرب من الكاتدرائية.

    وفي أحد الأيام كنت مشرفًا على حكم إعدام أحد بفصل رأسه عن جسده.

    أنا أعرفه جيدًا … إنه الصيدلي!

    فضولي كاد أن يقتلني لأعرف نبوءته، وعندما اقتربت منه نظر لي وابتسم وقال: «على الأقل سأموت وأنا أعلم أنني لم أعش مشعوذًا بل كانت لي رؤية، إني أرى وأعلم.

    عيناي تجدان في السماء ما سيكون، وأقطع الزمن بخطوة واحدة.

    يد توجهني إلى ما لا ترون ولا تعلمون.»

    ونظر لليابسة وقال: «الرمال تدفن تحت حبيباتها جدران قلاعنا ودروعنا وعظامنا، تكون قد خنقت أصواتنا وصلواتنا.

    الكفار سيكونون حشودًا هائلة منتشرة في كل مكان.

    ودينهم يكون له صدى مثل الطبل في جميع أنحاء الأرض.»

    نظر إلي بعينين ثاقبتين وقال: «احفظ كلامي وابحث عن كتابي.

    أما تأويل نبوءتي إليك:

    نيران مزلزلة للأرض من مركزها، سوف تسبب هزات حول روحك الجديدة، كانت النيران التي التهمت بيتك وخمرك وترفعت عنها روحك وصارت ملكًا للرب.

    ستتقاتل صخرتان عظيمتان لوقت طويل، ثم ستضفي الدماء لونًا أحمر على نهر جديد، هاتان صخرتان المقصلة والدم دمي ولسوف يسيل في ذلك النهر.»

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق